Admin Admin
عدد المساهمات : 834 نقاط : 104282 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 28/08/2009 العمر : 47
| موضوع: وقائع زيارة دولة الكويت الثلاثاء يناير 08, 2013 3:14 am | |
| خطبة الجمعة من مسجد الوزان وبعد: فإن الإسلام قد حدثنا عن الحياة حديثا مستفيضاً، ولكنه حديث متفرق على حسب الوقائع والأحداث، وعلى حسب المناسبات والأحوال، وعلى حسب المتطلبات والدواعي. والتقسيم العام للحياة والموت يدور على محورين أساسيين: الأول: هذه الحياة وهذا الموت المرتبطان بالروح والجسد ارتباطاً وثيقاً، فالجسد يكون حيا حياة مستقرة إذا اتصلت به الروح أو النفس ودوامت على هذا الاتصال اتصالاً يجعل كل جهاز من أجهزة الجسم يتخذ مساره الصحيح، ويتم دوراته على أحسن وجه، ويقوم بوظائف لا يتخلف منها شئ، أو يتخلف منها بالقدر الذي يضر بوظائفه التي يشارك بها في حيوية هذا الجسم الذي يكون جزءاً من أجزائه. والروح والنفس تتصل بالجسم فتحافظ على حيوية الخلية على اختلاف أنواعها، كما تحافظ على ارتباطها بسائر الخلايا على وجه يؤكد حياة هذا الجسم ويعينه على أداء وظائفه. والروح والنفس تتصل بالجسم فتخلق فيه نوعاً من الوحدات المرتبطة والثائرة في نفس الوقت، فتشكل جيشاً مرابطاً ينشط إلى مقاومة كل دخيل ومحاولة القضاء على كل غريب من خلال جهاز كامل يسمى جهاز المناعة تقويه أسباب طبيعية، ويفقد قوته بفقدان تلك الأسباب. والروح والنفس تتصل بهذا الجسم فتصلح منه ما فسد، وتجبر منه ما انكسر، وتعيده إلى الحياة الطبيعية بعد ما عسى أن يكون قد ألم به من الكوارث أو وقع به من النكبات. وهذه الحياة ينال منها أن تنفصل هذه النفس وهذه الروح بسبب هدم البنية، أو بأمر مباشر من الله مع سلامة البنية. والموت والحياة على كل حال قد خلقهما الله ليبلو الناس أيهما أحسن عملا. ومن أجل هذا الامتحان والاختبار ربط الله هذا الموت وتلك الحياة الطبيعيتين في مجال الأخلاق والمعاملات برابط عقدي متين هو الجزاء الأخروي على ما هو ظاهر واضح لا سترة به. أما القسم الثاني من الحياة والموت: فهو قسم لا علاقة له بارتباط الروح بالجسد وانفصالها عنه، وإنما علاقته الأساسية إنما هي بمكونات الشخصية الفردية، ومكونات الشخصية الجَمعًية على السواء. فالإنسان الفرد قد خلقه الله عز وجل ليكون خليفة في الأرض، وليكون مسئولاً عن تعمير هذه البيئة بجميع أنواعها، والحفاظ على صلاحها إن لم يزدها صلاحاً. ولا تتحقق للإنسان شخصيته إلا إذا قام بهاتين الوظيفتين خير قيام، فإذا لم يحقق الخلافة في نفسه بتأكيد منهج الله في الأرض ونشره في الآفاق بعد أن يطبقه على نفسه بقدر ما يتاح له من الطاقة، وإذا لم يحافظ على صلاح الأرض وقام بإعمارها وفاءً لتلك العناصر التي ضمتها هذه القبضة من تلك الأرض والتي خلق منها. إذا لم يقم هذا الإنسان الفرد بما عليه من واجب في هذين الجانبين انتقصت شخصيته بمقدار تقصيره، ويزيد هذا الانتقاص من تلك الشخصية إلى حد العدم، ويجد الإنسان الفرد نفسه وقد فقد مقومات شخصيته وأصبح الأفراد كالأنعام بل هم أضل سبيلاً. والأمة كالأفراد لها مقومات شخصيتها، فلها اللغة الواحدة التي ينبغي الحفاظ عليها لتمنحهم مجموع التجارب التي يحتفظ بها التاريخ يتوارثها الخلف عن السلف، ثم ينقلها بطريق التواتر جيل بعد جيل. ومن خواص هذه الأمة وتلك وحدة المشاعر التي تؤلف بين القلوب ويقوم عليها هذا البناء التحتي الذي يحكم تلك الجماعة ويحافظ على وحدة هذه الأمة، ولا يجوز لأحد أن يتصور أن وحدة المشاعر يمكن الاستغناء عنها مع الاحتفاظ بشخصية الأمة كاملة غير منقوصة بعد أن سمع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر". ومن عناصر شخصية الأمة ما وضعه لها الله عز وجل من وحدة المشروع الحضاري من خلال العقيدة والشريعة والسلوك الرشيد، والشعار النبيل، ثم أمرهم باستثمار هذا المشروع الحضاري والتكيف معه إلى الحد الذي يجعل غير المسلمين يرون من المسلمين ما يمكن أن نسميه بـ ( الوحدة الحضارية). ومن عناصر مكونات شخصية الأمة الإسلامية مثلاً ما أبرزه الله عز وجل لها من تميزها بالوسطية، وهي مسألة تحتاج إلى مزيد من الإيضاح ليس هذا المقام بمتسع له. والأمة والأفراد قد أتيح لهما هذا النوع أو ذاك من نوعي الحياة والموت. وهما حياة وموت مجالهما الساحة الاجتماعية وليست الساحة الطبيعية. والعقلاء من البشر قديماً قد وضعوا أيديهم على هذا القسم من قسمي الحياة والموت. فقال قائلهم : ليس من مات فاستراح بموت إنما الميت ميت الأحياء إنما الميت من يعيش كئيباً كاسفا باله قليل الرجاء وفي القرآن الكريم إشارات للموت والحياة الاجتماعيين في الجماعات والأفراد على السواء، فإلى الموت الاجتماعي في الجماعة وحياتها الاجتماعية كذلك يقول الله عز وجل: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم" (البقرة: 243)، وقال: " ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون" (البقرة: 56)، وتأمل هذا النص القاطع في قوله: " وما يستوي الأحياء ولا الأموات" (فاطر: 22) " إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء" (النمل:80 ، والروم:52)، "هذا بصائر للناس وهدىً ورحمة لقوم يوقنون * أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون" (الجاثية: 20، 21). وليس في موت الأفراد وحياتهم الاجتماعيين أوضح من قوله تعالى: "أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون" (الأنعام: 122). وإذا كانت فكرتي الموت والحياة الطبيعيين قد ارتبط بهما الجزاء الأخروي، لحمل الناس على الاستقامة، فإن فكرتي الحياة والموت الاجتماعيين قد ارتبطا كذلك بالجزاء الأخروي لحمل الأمم والأفراد على الاستقامة فيما ينبغي أن يحققاه من عناصر الشخصية الاجتماعية. ومن أجل ذلك فإن القرىن يؤكد على أن الأمم يوم القيامة سيكون لها حضور بين يدي الله للمحاسبة، وسيكون لها كتاب تدعى إليه، وسيكون لها هيأة تكون عليها ساعة المحاسبة إلى أن تثبت لها البراءة من كل إثم، والارتفاع فوق كل خطيئة "وترى كلَّ أمة جاثية كلُّ أمة تُدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون* هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون* فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين* وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوماً مجرمين " ( الجاثية: 28:31 ). وللأفراد حضور مماثل يوم القيامة يُسئل الفرد فيه عن كتابه هو يقرأه بنفسه، ويحاسب عليه بمفرده، قال تعالى: " وكلَّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا* من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " (الإسراء : 13: 15). فيا كل أمة تبصر مواقع أقدامها لا يسعك إلا تقوى الله في نفسك. يا كل فرد يدين لربه بالربوبية، ولنبيه بالرسالة لا بديل أمامك عن تقوى الله. ويا ليت قومي يعلمون. د/ طه حبيشي أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين ـ القاهرة | |
|