سلسلة شرح الحديث
عن ابن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: « إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف: نكون كما أمر الله , فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أو غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض »رواه : مسلم : الزهد والرقائق (2962) الشرح: الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: كيف بكم إذا فتحت عليكم فارس والروم؟ هذا فيه الخبر بأنهم سيفتحون فارس والروم، وقد حصل، ففتح المسلمون بلاد فارس والروم، وأطاحوا بدولتي الفرس والروم، أطاحوا بهما وأزالوهما، وغنموا أموال الدولتين، كسرى وقيصر، الأحمر والأبيض، وأنفقهما الصحابة في سبيل الله، فوقع الأمر كما أخبر فتحت. لكن كيف الحال بعد ذلك؟ هل استمر الأمر على ما كان عليه العهد الأول من الجهاد في سبيل الله، والإنفاق في سبيل الله، وإنفاق ما يغنمونه كذلك ووضعه في مواضعه؟ لا. حدثت أمور، وتغير الناس. قال عبد الرحمن بن عوف الصحابي الجليل المفضل، أحد العشرة المبشرين بالجنة، قال: نكون كما أمر الله، أي نطيع ربنا، ونجاهد في سبيله، ونأمر بالمعروف، ونكون كما أمر الله، فقال: أو غير ذلك، ثم ذكر -عليه الصلاة والسلام- أن الأمر لا يكون، أمر الناس لا يكون كما ظن عبد الرحمن، لا يكون الناس على الاستقامة التي أمر الله بها العباد، لا، تتغير الأحوال، يتنافسون في الدنيا، إذا فتحت فارس والروم، وغنم الناس الأموال، وأثروا بسبب ذلك حصلت النزاعات والخلافات، حصل الاقتتال والتقاطع والتدابر، وهذا قد حصل، وهذا كله ما حصل، إنما حصل بعد الفتنة الكبرى، بعد مقتل عثمان، أما قبل فكانت الأمور على السلامة. وأزهى العهود -كما تقدم- عهد الخليفتين الراشدين أبو بكر وعمر، وكذلك صدر خلافة عثمان، كانت الأمور على أحسن ما يكون، ثم لما بدأت بذور الشر بذور الفتنة، وانتهت بقتل عثمان، حصل ما أخبر به الرسول -عليه الصلاة والسلام- من التقاطع والتدابر والاقتتال، وحصل ما حصل من القتل في المدينة كما تقدم، وهذا كله من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام-. والرسول يخبر بهذا على وجه الذم له والتحذير منه، ومعلوم هذا لا يحصل من الكل، لكن هذا إخبار عن أن هذا سيقع، وأنه واقع، ولا يلزم أن يكون هذا من الجديد، فوقعت الفتن، ودخل فيها مَن دخل مِن أصناف الناس، وعصم الله منها مَن عصم، ممن أكرمه الله بذلك، سواء بهذه الفتن التي حدثت في خلافة علي -رضي الله عنه- كما وقعة الجمل وصفين، أو ما وقع قبل ذلك مما أدى إلى قتل عثمان، لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك: